بين كأس إفريقيا 2025 وكأس العالم 2030 :المغرب في سباق مع الزمن وتحديات متعددة

  في خطوة تاريخية تعزز مكانته على الساحة الرياضية الدولية، يستعد المغرب لاحتضان اثنتين من أكبر التظاهرات الكروية في العالم: كأس الأمم الإفريقية 2025 وكأس العالم ،2030 التي سينظمها بالشراكة مع إسبانيا والبرتغال. هذه الأحداث لا تعكس فقط الثقة الدولية في قدرات المملكة، بل تضعها أيًضا أمام تحديات ضخمة تتطلب استعدادا دقيقًا ورؤية استراتيجية متكاملة لضمان النجاح في التنظيم وتحقيق مكاسب دائمة تتجاوز حدود الملاعب.

يمثل تنظيم كأس الأمم الإفريقية سنة 2025 محطة اختبار حاسمة قبل خوض غمار تنظيم مباريات كأس العالم بعد خمس سنوات. وسيكون على المغرب أن يبرهن خلال هذه الفترة عن قدرته على استيعاب الأحداث الكبرى بكل تفاصيلها المعقدة، من البنية التحتية إلى التنظيم اللوجستكي، مروًرا بالجوانب الأمنية والصحية. هذه الإستعدادات المزدوجة تضع ضغطًا مضاعفًا على السلطات المحلية والجهات الحكومية، خاصة أن التحديات المرتبطة بكأس إفريقيا ستكشف حتًما عن مكامن القوة والضعف في التحضير للمونديال، مما يجعل 2025 سنة مفصلية بكل المقاييس.

تحديات صحية وأمنية: ضمان سلامة الزوار والمواطنين

في ظل السياق العالمي الذي ما زال يتعافى من آثار جائحة كوفيد-19، تبرز أهمية الجاهزية الصحية كأحد المحاور الأساسية لنجاح أي تظاهرة رياضية كبرى. ومع التوقعات باستقبال مئات الآلاف من المشجعين والوفود الرسمية من مختلف أنحاء العالم، سيكون على المغرب تعزيز بنيته الصحية بشكل مستعجل وفعّال. ويشمل ذلك تجهيز المستشفيات القريبة من الملاعب والمناطق السياحية، وتوفير وحدات طبية متنقلة في مواقع التجمعات الكبرى، وضمان توفر الأدوية والمعدات الضرورية للتدخل السريع في حالات الطوارئ. كما تزداد الحاجة إلى تكوين الطواقم الطبية وشبه الطبية على التعامل مع حالات معقدة قد تتطلب تنسيقًا سريعًا بين مختلف المصالح، خاصة في ظل تعدد الجنسيات واللغات، وضرورة الاستجابة السريعة لأي طارئ صحي قد يهدد صورة المغرب التنظيمية. وبالإضافة إلى ذلك، ينبغي التفكير في بروتوكولات صحية وقائية لتفادي انتشار أمراض موسمية أو عدوى جماعية خلال فترة التظاهرات.

أما على المستوى الأمني، فإن التحدي لا يقل أهمية، بل يتضاعف نظرًا لحجم الحدث وأبعاده الجيوسياسية. تأمين الملاعب، محيطها، الفنادق، وسائل النقل، ومناطق التجمعات الكبرى يتطلب استراتيجية أمنية دقيقة متعددة الأبعاد. يجب إشراك مختلف الأجهزة الأمنية، وتوفير التكنولوجيا المتطورة مثل أنظمة المراقبة الذكية، الكاميرات الحرارية، وبرامج تحليل البيانات الجماهيرية، لرصد أي تهديدات محتملة. إضافة إلى ذلك، يمثل التنسيق الأمني الدولي أحد المفاتيح الأساسية للنجاح، خاصة مع توافد جماهير من دول مختلفة وتواجد تنظيم مشترك مع إسبانيا والبرتغال. وهذا يتطلب اتفاقيات تعاون أمني، وتدريبات مشتركة بين الأجهزة، وتبادل المعلومات في الوقت الفعلي، لضمان بيئة آمنة لا تشوبها أي ثغرات.

وفي النهاية، لا يجب إغفال أهمية التوعية والتحسيس، سواء في ما يخص الإجراءات الصحية أو القواعد الأمنية، عبر حملات موجهة للجماهير المحلية والدولية، لضمان سلوك جماعي مسؤول يساهم في إنجاح الحدث ويعكس صورة حضارية عن المملكة.


نقطة ضعف يجب معالجتها: السياحة والإيواء

وبالإضافة إلى التحديات التنظيمية والصحية، تبرز تحديات أخرى لا تقل أهمية، في مقدمتها قطاع السياحة والإيواء. إذ أن من أبرز الإشكالات التي تواجه المغرب في هذا المسار، مسألة الإيواء السياحي، وخاصة فيما يتعلق بضعف المرافق المخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة. وهو خلل تم تسليط الضوء عليه من قبل لجان التقييم الدولية، ويشكل نقطة سلبية في سجل التحضيرات.

تواجه مدينة طنجة تحديات كبيرة، حيث تم تصنيفها من طرف الاتحاد الدولي لكرة القدم كأضعف نقطة على مستوى البنية التحتية الفندقية، خصوصًا فيما يتعلق بتوفير فنادق خمس نجوم والفنادق الفخمة المخصصة للوفود الرسمية، بالإضافة إلى نقص الفنادق المتوسطة التي يمكن أن تستوعب جماهير كرة القدم بأسعار معقولة. ورغم هذه الملاحظات، تظهر بوادر عمل كبير ومجهودات واضحة على مستوى المدينة، في انتظار ترجمة الوعود إلى استثمارات فعلية على الأرض.

وعلى الرغم من الجهود الهيكلية والمهمة التي تبذلها الدولة لتطوير القطاع السياحي في المغرب، يظل التحدي الأكبر هو ضمان توزيع متوازن وعادل للاستثمارات بين مختلف الجهات والمدن، وعدم تركز المشاريع السياحية الكبرى في محور واحد فقط. فنجاح أي تظاهرة دولية يتطلب انخراطًا كاملاً وشاملاً لكل ربوع المملكة، دون تهميش للمناطق التي تمتلك مؤهلات لكنها تفتقر إلى البنية التحتية الضرورية.


فرصة تاريخية لتنمية شاملة وبناء إرث مستدام... فإما النجاح أو الإخفاق

تنظيم هذه التظاهرات الكبرى ليس مجرد مناسبة رياضية، بل فرصة حقيقية لتسريع التنمية، وتحديث البنية التحتية، وتحفيز الاقتصاد الوطني، وخلق فرص شغل جديدة، خاصة في قطاعات البناء، السياحة، والنقل. لكن لتحقيق ذلك، يجب اعتماد حكامة فعالة، ومتابعة دقيقة للمشاريع، وربط الإنجاز بالشفافية والمحاسبة. كما يشكل الحدثان مناسبة لتقوية الدبلوماسية الرياضية، وتعزيز صورة المغرب كدولة منفتحة، مستقرة، وطموحة. وهو ما يتطلب إشراك المجتمع المدني، والقطاع الخاص، والمواطنين أنفسهم في هذه الدينامية الجديدة.

النجاح في تنظيم كأس إفريقيا 2025 كمقدمة ضرورية لمونديال 2030: في نهاية المطاف، يجد المغرب نفسه أمام اختبار تاريخي مزدوج. التحديات كثيرة ومعقدة (صحية، أمنية، سياحية، ولوجستيكية) لكن الإرادة السياسية موجودة، والطموح الشعبي حاضر، والأنظار كلها متجهة نحو المملكة.

نجاح هذا الرهان لن يعزز فقط صورة المغرب عالميًا، بل سيكون مصدر فخر للأجيال القادمة، وفرصة لإثبات أن الحلم يمكن أن يتحول إلى واقع... إذا توفرت الإرادة، الرؤية، والعمل.





إعداد :
Profile Picture

براهيم اللمعي

خبير بالمجال السياحي الوطني

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال