في فترة التوقفات الدولية التي تلت كأس الأمم الإفريقية، بدا أن "أسود الأطلس" يسيرون على الطريق الصحيح، حيث ظهرت ملامح مشروع كروي حديث يعتمد على أسلوب لعب هجومي منظم، وشخصية قوية فوق أرضية الميدان.
غير أن التوقف الدولي الأخير حمل معه خيبة أمل كبيرة لجماهير المغرب، ففي مباراتي النيجر وتنزانيا ظهر المنتخب بصورة باهتة، وعاد الشك ليخيم مجددا على طموحات الأنصار، الأداء كان أقل من المتوقع، وبدت الخيارات الفنية لوليد الركراكي مثيرة للتساؤلات.
أحد أبرز أسباب هذا التراجع كان الاعتماد على لاعبين لم يعودوا يتناسبون مع النهج الهجومي الجديد الذي يحاول الركراكي ترسيخه، الأسماء التي صنعت مجد المنتخب في قطر وعلى رأسهم سفيان أمرابط ويوسف النصيري، لم تعد قادرة على تقديم الإضافة ذاتها في سياق التحول من منظومة دفاعية صارمة إلى أخرى هجومية تتطلب سرعة في التحول، ودقة في التمرير، وذكاء تكتيكيا متقدما.
سفيان أمرابط الذي كان صمام أمان في وسط الملعب خلال كأس العالم بفضل صلابته الدفاعية، بدا بطيئا ومتثاقلا عندما طلب منه القيام بأدوار هجومية وبناء اللعب تحت ضغط الخصم، أما يوسف النصيري، فهو مهاجم عرف بقوة التحمل ولعب الأدوار التكتيكية الدفاعية أكثر من كونه قناصا ينسجم مع فلسفة اللعب السريع والمتحرك المطلوب حاليا.
الخطأ الأكبر للركراكي كان بلا شك الوقوع في فخ العاطفة، ففي لحظة كان فيها المنتخب في حاجة إلى ضخ دماء جديدة، أصر المدرب على الوفاء لنجوم المرحلة الماضية، رغم مؤشرات واضحة على تراجع الأداء والانسجام، هذه العاطفة رغم نبالتها قد تكلف المشروع برمته إذا لم يتم تصحيح المسار في الوقت المناسب.
مشكلة الاختيارات لم تقتصر فقط على أسماء معينة، بل شملت أيضا منح الفرصة للاعبين لا يتناسبون مع متطلبات المنظومة الجماعية، مما أدى إلى تفكك الخطوط وغياب النسق في التحولات الهجومية والدفاعية، وهذا ظهر جليا ضد منتخب النيجر، الذي رغم تواضع مستواه مقارنة بالمغرب، استطاع تهديد مرمى الأسود أكثر من مرة بفضل المساحات المفتوحة وضعف التغطية.
إذا كان وليد الركراكي يريد بالفعل بناء منتخب قادر على المنافسة قاريا وعالميا، فعليه أن يتحلى بالواقعية، وأن يعيد النظر في اختياراته بناء على معايير رياضية صارمة لا مكان فيها للعواطف، الكرة الحديثة لا تعترف بالأسماء أو الأمجاد الماضية، بل تكرم من يقدم الإضافة في الحاضر.
التغيير المطلوب لا يعني بالضرورة قطع العلاقة مع الجيل الذي صنع مجد قطر، ولكن يجب أن يتم الانتقال تدريجيا وبذكاء، مع إدماج عناصر شابة أكثر انسجاما مع متطلبات النهج الهجومي، دون الإخلال بروح المجموعة.
جماهير المغرب، التي أظهرت دعما استثنائيا لهذا المنتخب، لن تقبل بمشاهدة تكرار أخطاء قاتلة كان بالإمكان تفاديها بالتخطيط السليم والحسم في القرارات، الكرة الآن في ملعب الركراكي: إما أن يتحرر من الضغوط العاطفية، أو أن يستمر في مسلسل التراجع الذي قد يبدد حلم تأسيس منتخب مغربي قوي ومستدام.