مقدمة
في رحلة استثنائية تختصر الزمن، صعد مروان الصنادي من ملاعب الدرجة الثالثة المتواضعة إلى قمة الكرة الإسبانية خلال ستة أشهر فقط. لم يكن انتقاله مجرد خطوة إلى دوري الأضواء، بل جاءت وجهته أتلتيك بلباو، ذلك الصرح الباسكي العريق المنافس في اليوروبا ليغ.
تروي قصة
الصنادي ملحمة الإرادة والطموح، متحولاً من لاعب هاوٍ إلى محترف في أحد أعرق
الأندية الإسبانية. هكذا تكتب الملاحم في عالم الساحرة المستديرة،هكذا تؤكد كرة
القدم أن لا شيء فيها محسومٌ مسبقاً، وأن قصص النجاح الاستثنائية ممكنة دائماً.
في خضم التطور
المستمر للكرة المغربية وبحث المدرب وليد الركراكي عن توسيع قاعدة المواهب المتاحة
لأسود الأطلس، يبرز اسم مروان الصنادي كأحد المواهب الصاعدة التي تستحق الاهتمام
في مركز رأس الحربة.
الخلفية
والمسار الكروي
ولد مروان
الصنادي في الأول من فبراير 2001 في مدينة فيتوريا-غاستيز الإسبانية لأبوين
مغربيين، مما يجعله مؤهلاً للعب مع المنتخب المغربي. بدأ مسيرته الكروية مع أندية
محلية قبل أن ينضم إلى صفوف ديبورتيفو ألافيس.
تحت إشراف
مدربه الأول ديفيد أباد في نادي لاكوا بمدينة فيتوريا-غاستيز، بدأت موهبة الصنادي
بالظهور. يقول أباد: "كانت هناك عدة فرق تتابعه، وهذا الموسم، بعد رؤية ما
قدمه مع باراكالدو، كان واضحاً لي أنه سيصبح لاعباً محترفاً عاجلاً أم
آجلاً." لم يكن نجاح الصنادي مفاجئاً لأباد، الذي يتذكر بفخر كيف استطاع هذا
الشاب "رفع حماس ملعب بأكمله" في أول ظهور له بالدرجة الأولى.
تألق الصنادي
بشكل لافت خلال فترة إعارته إلى نادي باراكالدو في الدوري الإسباني الثالث، حيث
سجل 11 هدفاً في 20 مباراة خلال موسم 2024-2025، ما لفت أنظار أتلتيك بيلباو الذي
تعاقد معه في فبراير 2025 بعقد يمتد حتى يونيو 2029.
تحليل أسلوب
اللعب
القوة البدنية
والقدرة على الارتكاز
يتميز الصنادي بقامته الطويلة (1.92 متر) وبنيته الجسدية القوية، مما يجعله سلاحاً فعالاً في الصراعات الهوائية والأرضية. لكن أبرز ما يميزه هو قدرته على استقبال الكرات تحت الضغط في المناطق المزدحمة والاحتفاظ بها حتى وصول الدعم من زملائه. هذه الخاصية تحديداً تجعله يختلف عن العديد من المهاجمين الطوال الذين يفتقرون للمرونة التقنية تحت الضغط.
يطلب مروان
سنايدي الكرة بوضوح، مشيرًا بيده إلى زميله، ويحافظ على زاوية جسده مفتوحة لاستلام
الكرة بسرعة.
سنادي يُظهر
هنا مهارة عالية في حماية الكرة ضد ضغط المدافع المباشر. يستخدم جسده كحاجز
بكفاءة، مع خفض مركز ثقله للحفاظ على التوازن أثناء المواجهة البدنية. تقنية حماية
الكرة هذه تعكس قوته البدنية ومهارته التقنية كمهاجم متكامل، حيث يمكنه الاحتفاظ
بالكرة تحت الضغط لخلق فرص لزملائه أو الالتفاف والتسديد بنفسه.
يشير نونييز
إلى إمكانيات الصنادي الهائلة مؤكداً: "بالتأكيد لديه الإمكانيات؛ بنيته
الجسدية طبيعية. طوله 1.92، طويل، سريع في التحرك في المساحات، قوي في المواجهات،
تسديدة جيدة من مسافات بعيدة، تسديدة جيدة بكلتا القدمين، جيد في ضربات الرأس،
وفوق كل ذلك، يفوز بالمبارزات الثنائية. لديه كل شيء بالمطلق."
الضغط على
مدافعي الخصم
يُظهر مروان
الصنادي التزامًا كبيرًا في تنفيذ الضغط العالي، حيث يلعب دورًا محوريًا في إرباك
دفاعات الخصم وقطع خيارات التمرير. بفضل قوته البدنية ومهاراته التكتيكية، ينخرط
بفاعلية في إغلاق المساحات، ملاحقة المدافعين، وإجبارهم على ارتكاب الأخطاء.
يتماشى دوره
تمامًا مع نظام إرنستو فالفيردي، الذي يعتمد على تشكيل 4-2-3-1 بضغط مكثف ومنظم،
يهدف إلى استعادة الكرة بسرعة في المناطق المتقدمة. في هذا النهج، يُطلب من
المهاجمين ولاعبي الوسط المهاجمين المشاركة في الضغط الجماعي، حيث يكون المهاجم
المركزي، مثل الصنادي، هو خط الدفاع الأول. دوره لا يقتصر على مجرد الضغط، بل يمتد
إلى توجيه زملائه، إغلاق زوايا التمرير، وفرض إيقاع سريع يجبر الخصم على التسرع
وارتكاب الأخطاء.
صرح المدرب
إرنستو فالفيردي عن الصنادي قائلاً: "لقد أدى بشكل جيد في باراكالدو، لكن ذلك
كان في دوري أقل بدرجتين، لذلك سيستغرق التكيف بعض الوقت. نأمل أن تكون فترة
الانتقال سريعة. إنه مهاجم قوي، نقطة مرجعية في الهجوم. حتى الآن، لم يكن لدينا
سوى غوروثيتا بهذا النمط، بينما يقدم مروان أسلوباً مختلفاً. نحن واثقون من أنه
سيتمكن من المساهمة خلال فترة وجوده معنا؛."
المهارات
التقنية والمراوغة
Maroan Sannadi
— MoroccanGrinta (@MoroccanGrinta) March 16, 2025
What a player!! 🇲🇦🐘pic.twitter.com/O4BeKSh6Er
على عكس الصورة
النمطية للمهاجمين أصحاب البنية القوية، يتمتع الصنادي بمهارات تقنية عالية ويجيد
المراوغة في المواجهات الفردية (واحد ضد واحد). هذا المزيج النادر بين القوة
البدنية والمهارة التقنية يجعله لاعباً صعب المراقبة للمدافعين، إذ لا يمكن
التعامل معه من خلال المواجهة البدنية فقط.
يؤكد نونييز
على هذه النقطة تحديداً: "البعض يراه كمهاجم قوي ومباشر، لكنه جيد جداً من
الناحية الفنية، وهو أيضاً جيد خارج منطقة الجزاء، يخلق المساحات. سواء نزل
إلى وسط الميدان الهجومي أو حتى لعب على الجناح، فهو يمتلك الجودة. صحيح أنه يمتلك
القوة، لكن الصحيح أيضاً أنه يمتلك كل شيء آخر."
— MOROCCAN GRINTA MEDIA (@Ryan79913117698) April 19, 2025
قدرته على
قيادة الكرة بشكل متقن تمنحه استقلالية في بناء الهجمات، وليس فقط إنهائها. هذه
الخاصية تجعله مناسباً بشكل خاص لأنظمة اللعب التي تعتمد على الانتقال السريع من
الدفاع إلى الهجوم.
يؤكد ديفيد
أباد، مدربه الأول، على إتقان الصنادي للعب بكلتا القدمين، لكن ما يلفت انتباهه
حقاً هو تأثيره داخل منطقة الجزاء: "إذا كنت مدافعاً، كيف تدافع ضد مروان؟ هل
تستبق تحركاته؟ هل تسمح له باستلام الكرة والدوران؟ هذا هو أفضل ما يميزه، ذلك
الحضور في منطقة الجزاء." وعندما سُئل عن مقارنة الصنادي بلاعب آخر، لم يتردد
أباد: "من حيث أسلوب اللعب، والبنية الجسدية، والسرعة، والمراوغة، وطريقة خلق
المساحات... أقارنه بهالاند بسبب حجمه."
ليس أباد وحده
من لديه توقعات كبيرة للصنادي، فأسطورة أتلتيك بلباو ليسيرانزو متفائل بشدة بتطور
هذا المهاجم الشاب، وقد أطلق تنبؤاً جريئاً بشأنه قائلاً: "خلال موسم أو
موسمين، سيصبح رعباً لقلوب المدافعين." ويضيف "روكي" قائلاً:
"إنه شاب لا يزال لديه مجال للتحسن، خاصة من الناحية البدنية."
التوافق مع
فلسفة الركراكي التكتيكية
وليد الركراكي، خلال فترته مع الوداد الرياضي، اعتمد على لاعبين يمتلكون معدل عمل مرتفع مثل تسومو ومبينزا، وهما من نفس نمط مروان الصنادي من حيث القوة البدنية والقدرة على الضغط العالي. هذا النوع من اللاعبين لا يحتاج بالضرورة إلى تسجيل الأهداف ليكون فعالًا، فهم يقدمون إضافة كبيرة للفريق من خلال القتالية واستخلاص الكرات في المساحات الضيقة.
على سبيل
المثال، في مباراة أتلتيك بلباو في الدوري الأوروبي، قدم مروان الصنادي ضغطًا
هائلًا على ماتس هوملز، مما تسبب في حصول الأخير على بطاقة حمراء، وسهّل المهمة
على بلباو في بقية اللقاء. هذا يبرز أهمية اللاعبين الذين يمتلكون قوة بدنية وحسًا
تكتيكيًا عاليًا، حيث يمكنهم التأثير على مجريات المباراة بطرق مختلفة بعيدًا عن
تسجيل الأهداف.
Aqui para mas contexto y aun mas de cerca, la entra de Hummels. Quizas mis ojos me engañan, pero yo no veo nada. pic.twitter.com/qWWYrLFHwo
— Angelo Nacci (@ElNacciNacci) March 13, 2025
خطة التطوير
المستقبلية
لكي يحقق
الصنادي كامل إمكاناته مع المنتخب المغربي، يحتاج للتطوير في عدة جوانب:
تحسين الفعالية
التهديفية
يحتاج الصنادي
لتطوير دقة إنهاء الهجمات، خاصة وأن مباريات المنتخبات تتميز بقلة الفرص المتاحة.
تظهر إحصائياته في الدوري الإسباني (هدف واحد من فرص متوقعة بقيمة 1.9) أنه يحتاج
لتحسين فعاليته التهديفية.
التكيف مع
مستوى الضغط في الليغا
اللعب مع
أتلتيك بلباو مختلف تمامًا عن باراكالدو، حيث يواجه مروان الصنادي مدافعين أكثر
قوة وخبرة. سيتطلب منه ذلك التكيف مع النسق العالي في الليغا، سواء من حيث السرعة
في اتخاذ القرار أو القدرة على اللعب تحت الضغط. ومع ذلك، فإن ملفه الفني يجعله
نموذجًا مثاليًا لأتلتيك بلباو، على غرار أسطورة الفريق أريتز أدوريز، الذي كان
يجمع بين القوة البدنية والحس التهديفي العالي.
التفاعل مع
زملائه في منظومة لعب متطلبة
رغم قوته
البدنية ومهاراته الفردية، قد يحتاج الصنادي إلى تحسين قراراته في التمرير
والتحركات بدون كرة، لضمان انسجامه مع أسلوب لعب بلباو الجماعي. فالفريق يعتمد على
مهاجمين لديهم قدرة على خلق المساحات لزملائهم، والمشاركة بفعالية في بناء
الهجمات، وليس فقط إنهاء الفرص.
دوره في
التحولات الدفاعية
الهجوم القوي
وحده لا يكفي، فالمنتخب المغربي يعتمد على مهاجمين يساهمون في العمل الدفاعي أيضًا. المنافسة
في نفس المركز مع يوسف النصيري وأيوب الكعبي تعني أنه بحاجة إلى تقديم معدلات جهد
دفاعي عالية، مثلما يفعل هذان اللاعبان في الضغط العكسي ,استرجاع الكرة و الوقوف الجيد في الضربات التابتة. تطوير هذه الجوانب سيجعل منه خيارًا أكثر تكاملاً للمنتخب.
اكتساب الخبرة
على المستوى العالي
مع 7 مباريات
فقط في الدوري الإسباني حتى الآن، يحتاج الصنادي لمزيد من الخبرة على مستوى
النخبة. المشاركة المنتظمة مع أتلتيك بيلباو ستساعده على تطوير قدراته التكتيكية
والذهنية، وهو ما سينعكس إيجاباً على أدائه مع المنتخب المغربي إذا ما تمت دعوته.
وفي هذا
الجانب، تأتي كلمات المدرب إرنستو فالفيردي واقعية ومتوازنة حين قال:
"سيستغرق التكيف بعض الوقت. نأمل أن تكون فترة الانتقال سريعة." هذه
النظرة الواقعية ضرورية لتجنب الضغط المبكر على لاعب يمتلك إمكانيات هائلة لكنه لا
يزال في بداية مسيرته الاحترافية.
الخلاصة
يمثل مروان
الصنادي نموذجاً للمهاجم العصري متعدد المهارات: قوة بدنية، مهارة تقنية، وذكاء
تكتيكي. هذه المواصفات تجعل منه إضافة نوعية محتملة للمنتخب المغربي، خاصة وأن
المدرب وليد الركراكي يبحث دوماً عن تنويع خياراته الهجومية.
كما تؤكد
شهادات المدربين والخبراء الذين عملوا معه عن قرب، فإن الصنادي يمتلك من المقومات
ما يؤهله ليكون "رعباً لقلوب المدافعين" على حد تعبير أسطورة أتلتيك
بلباو ليسيرانزو. ومع التطور المستمر في أدائه والخبرة التي سيكتسبها في الدوري
الإسباني، قد نشهد قريباً ولادة نجم مغربي جديد يضيف بُعداً آخر لهجوم "أسود
الأطلس".