شكل وصول المنتخب المغربي لكرة الصالات إلى الدور ربع النهائي في كأس العالم بأوزبكستان 2024 محطة مهمة في مسيرة تطور هذه الرياضة بالمملكة. لم يكن هذا الإنجاز وليد الصدفة، بل جاء نتيجة عمل دؤوب ومجهودات كبيرة قادها المدرب الوطني هشام الدكيك وطاقمه التقني، الذين عملوا بجد وإخلاص لتحقيق هذا المستوى المشرف.
وتعتبر هذه المشاركة امتداداً للمسار التصاعدي الذي تشهده كرة الصالات المغربية منذ مونديال 2012. فقد أظهر المنتخب الوطني تطوراً ملحوظاً في مستواه، متجلياً في الأداء المشرف خلال مواجهة المنتخبات العالمية القوية، بما فيها المنتخب البرتغالي البرازيلي والإيراني. وقد تميز أداء اللاعبين بروح قتالية عالية وإصرار كبير على تشريف الألوان الوطنية.
وشكل الحضور الجماهيري المغربي في أوزبكستان عاملاً معنوياً مهماً في دعم المنتخب الوطني، حيث كانت الجماهير مصدر طاقة إيجابية قبل وأثناء المباريات. وقد أثبت المغاربة مرة أخرى وقوفهم خلف منتخبهم أينما حل وارتحل، مما يعكس التلاحم القوي بين الفريق وجماهيره.
وبناءً على هذه التجربة، حدد العديد من المتخصصين وعلى رأسهم المنتخب الوطني، رؤية واضحة لتطوير كرة الصالات في المغرب. تتمحور هذه الرؤية حول تكثيف الاهتمام بتكوين اللاعبين داخل المغرب، مع العمل على تعزيز دعم الأندية الوطنية لهذه الرياضة. كما تشمل الخطة المستقبلية بناء قاعدة صلبة من اللاعبين القادرين على المنافسة عالمياً، وتطوير الجوانب التي يكمن فيها الخلل، مع السعي لرفع مكانة كرة الصالات في البطولات الوطنية.
ومن أجل تحقيق هذه الأهداف الطموحة، يمكن تطبيق برنامج تنموي شامل يستهدف عدة مستويات. فعلى صعيد التكوين المحلي، يُقترح إنشاء مراكز جهوية للتكوين في كرة الصالات موزعة على مختلف جهات المملكة، تكون مجهزة بأحدث المعدات وتحت إشراف أطر تقنية متخصصة. هذه المراكز ستعمل على اكتشاف المواهب الشابة وصقلها منذ سن مبكرة، مع التركيز على تطوير المهارات التقنية والقدرات البدنية الخاصة بكرة الصالات.
وفيما يتعلق بالجانب البدني، يمكن وضع برنامج متكامل للإعداد البدني يراعي خصوصيات كرة الصالات، يشمل تدريبات مكثفة للسرعة والرشاقة والقوة الانفجارية. كما يمكن الاستفادة من التجارب العالمية الناجحة في هذا المجال، مع تكييفها مع الخصوصيات المحلية. ويمكن تعزيز ذلك من خلال إقامة معسكرات تدريبية دورية تجمع أفضل المواهب من مختلف الجهات تحت إشراف خبراء محليين ودوليين.
أما على مستوى البنية التحتية، فقد أوصت الجامعة الملكية لكرة القدم تحت رئاسة السيد فوزي لقجع، على توسيع شبكة القاعات المغطاة المخصصة لكرة الصالات في مختلف المدن المغربية، مع الحرص على تجهيزها وفق المعايير الدولية. ويمكن في هذا الإطار إطلاق شراكات بين وزارة الشباب والرياضة والجماعات المحلية والقطاع الخاص لتمويل هذه المشاريع. كما يجب إيلاء اهتمام خاص للصيانة الدورية لهذه المنشآت لضمان استدامتها.
ويعد تطوير المنافسات المحلية ركيزة أساسية في هذا المشروع التنموي. فتنظيم بطولات منتظمة على المستوى المحلي والجهوي، مع تخصيص جوائز تحفيزية، من شأنه أن يرفع من مستوى المنافسة ويساهم في تطوير مستوى اللاعبين. كما سبق وأشار الناخب الوطني لضرورة الاهتمام بالرياضة المدرسية والجامعية، إذ يمكن إطلاق دوري مدرسي وجامعي لكرة الصالات لتوسيع قاعدة الممارسين وضمان استمرارية تدفق المواهب.
وفي إطار تطوير الكفاءات التقنية، فبإمكان العصبة الوطنية لكرة القدم المتنوعة، تنظيم دورات تكوينية منتظمة للمدربين والحكام، مع الاستعانة بخبرات دولية في هذا المجال. كما يمكن إرسال بعثات من المدربين والتقنيين للتكوين في الدول المتقدمة في كرة الصالات للاستفادة من تجاربها وخبراتها.
وعلى المستوى التنظيمي، يمكن إنشاء لجنة وطنية مختصة بكرة الصالات تضم خبراء وتقنيين وممثلين عن مختلف الجهات المعنية، تكون مهمتها وضع استراتيجية وطنية لتطوير هذه الرياضة ومتابعة تنفيذها. كما يمكن لهذه اللجنة العمل على تطوير برامج للتسويق والترويج لكرة الصالات لجذب المزيد من الاهتمام الإعلامي والجماهيري والرعاة والمساندين.
وختاماً، فإن تنفيذ هذه المقترحات يتطلب تضافر جهود جميع المتدخلين في المجال الرياضي، من مؤسسات حكومية وجامعة ملكية وأندية وجمعيات رياضية. فبهذا العمل الجماعي المنظم والمتواصل، يمكن للمغرب أن يرتقي بمستوى كرة الصالات ويضمن تواجداً قوياً ومشرفاً في المحافل الدولية القادمة.
تعتبر مشاركة المنتخب المغربي في مونديال أوزبكستان 2024 بداية مرحلة جديدة في تاريخ كرة الصالات المغربية. فالعمل جارٍ على قدم وساق لتطوير هذه الرياضة وضمان مشاركات أقوى في المستقبل، مع التركيز على التكوين المحلي وتعزيز البنية التحتية لهذه الرياضة في المملكة. وبهذه الجهود المتواصلة، يتطلع المغرب إلى مستقبل أكثر إشراقاً في عالم كرة الصالات.