لم يعد الحديث عن المنتخب المغربي لكرة الصالات يقتصر على المشاركات القارية أو الظهور المشرف فحسب، بل أصبح يجسد مسيرة تطور ثابتة ومستمرة جعلت من المغرب إحدى القوى الصاعدة في هذه الرياضة، سواء على المستوى الإفريقي أو الدولي. حققت كرة الصالات المغربية قفزات نوعية على صعيد الأداء والنتائج، مما أهلها للمنافسة مع أعرق المدارس العالمية، وجعلها محط إشادة وتقدير من قبل المتتبعين والخبراء في هذا المجال.
تصاعد مستمر في النتائج
يظهر التطور الواضح للمنتخب المغربي من خلال أدائه المتميز في بطولات كأس إفريقيا، حيث يرسم منحنى تصاعديًا في المستوى والنتائج. ففي نسخة 2016 بجنوب إفريقيا، سجل المنتخب 17 هدفًا، ليرتفع هذا الرقم إلى 23 هدفًا في نسخة العيون 2020، قبل أن يصل إلى 30 هدفًا في نسخة الرباط 2023. هذا التطور في الفعالية الهجومية يعكس نضجًا تكتيكيًا وتماسكًا جماعيًا ملحوظًا في صفوف "أسود الأطلس"، بالإضافة إلى تحقيقه 11 انتصارًا متتاليًا على مستوى منافسات كأس إفريقيا. وتحمل هذه الإحصائيات دلالات واضحة على المسار التصاعدي للمنتخب الوطني، الذي نجح في ترسيخ هيمنته القارية وفرض احترامه على المستوى الدولي، حيث أصبح يقدم مباريات قوية أمام منتخبات عريقة في المونديال العالمي.
منظومة متكاملة للتكوين والبنية التحتية
وراء هذا النجاح المتنامي تقف منظومة متكاملة تعمل بهدوء وفعالية. فقد استثمرت الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم بشكل استراتيجي في مراكز التكوين وتطوير الدوريات المحلية، مع إيلاء اهتمام خاص بتأهيل المدربين والحكام. هذه الخطوات المدروسة ساهمت في بناء قاعدة صلبة تسمح باكتشاف وصقل جيل جديد من المواهب الوطنية التي تحمل مشعل التميز المغربي في كرة الصالات. وتعتبر القاعة المغطاة للألعاب المتنوعة بالرباط وغيرها من المنشآت الرياضية الحديثة شاهدة على الاهتمام الذي توليه المملكة لتطوير كرة الصالات، وتوفير بيئة احترافية للاعبين والمدربين على حد سواء، مما ينعكس إيجابًا على المستوى الفني العام للمنتخب والأندية المحلية.
نجوم مغاربة يتألقون في الملاعب الأوروبية
لم يقتصر تألق لاعبي كرة الصالات المغربية على الساحة المحلية، بل امتد ليشمل أقوى الدوريات الأوروبية. فقد أصبح اللاعب المغربي مطلوبًا بشكل متزايد في الدوريات العالمية، خاصة الدوري الفرنسي الذي يضم الآن كوكبة من النجوم المغاربة المتألقين أمثال سفيان المسرار، بلال وأنس البقالي، خالد بوزيد، يونس العصعاص، حمزة السلامي، بدر الكنبوعي، مصطفى رابو، عثمان بومزو، وجواد يوسف، وغيرهم. ويشكل هؤلاء اللاعبون سفراء حقيقيين للكرة المغربية في أوروبا، حيث ينقلون خبرتهم وتجاربهم الاحترافية إلى المنتخب الوطني، مما يساهم في تطوير مستواه الفني والتكتيكي. كما أن احترافهم في دوريات قوية يفتح الباب أمام لاعبين آخرين للاحتراف مستقبلاً، ويعزز سمعة المدرسة المغربية في كرة الصالات.
المغرب كوجهة رائدة في كرة الصالات العالمية
بفضل هذه الدينامية الإيجابية، أصبح المغرب محط أنظار المهتمين بكرة الصالات حول العالم، ونموذجًا يحتذى في تطوير هذه الرياضة. فالمنتخب المغربي لا يحقق نتائج مبهرة فحسب، بل يلهم ويمهد الطريق لتعاون دولي واسع النطاق، خاصة مع دوريات عريقة مثل الفرنسية، الإسبانية، الإيطالية، والبلجيكية، التي باتت تستقطب المواهب المغربية بثقة كبيرة. وقد تجلى هذا الاهتمام العالمي في استضافة المغرب للعديد من البطولات الدولية، وتنظيمه لدورات تكوينية بمشاركة خبراء دوليين، مما يعكس الثقة المتزايدة في قدرات المملكة على إدارة وتطوير هذه الرياضة التي تشهد إقبالاً متزايداً من الشباب المغربي.
تبرز التجربة المغربية في كرة الصالات اليوم كقصة نجاح متكاملة، بُنيت على أسس راسخة من التكوين الجيد، والاستمرارية في العمل، والطموح المتجدد. ومع كل مشاركة دولية وكل موسم رياضي، يؤكد المنتخب الوطني المغربي أن المجد لا يُصنع بين ليلة وضحاها، بل هو ثمرة استراتيجية طويلة المدى، وجهود متواصلة، وإيمان عميق بالإمكانات الوطنية التي تزخر بها الكفاءات المغربية. ومع استمرار هذه الرؤية الواضحة والدعم المتواصل، يمكن التنبؤ بمستقبل أكثر إشراقاً لكرة الصالات المغربية، وترقب إنجازات جديدة تضاف إلى سجل المنتخب الوطني الحافل بالنجاحات والإنجازات.
Tags
العدد التاني